Menu

خاصملاحظات سريعة على التغطية الصهيونية للحرب على غزة

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

منذ الأمس، والموضوع الرئيسي على وسائل الإعلام الصهيونية هو طبعا العدوان على غزة، وعملية خان يونس الفاشلة والتفجع على القائد القتيل على يد المقاومة.

عشرات المقالات والمتابعات دقيقة بدقيقة، لقصف المقاومة للمستوطنات، وتركيز على رد الجيش الصهيوني على المقاومة عبر الإدعاء أنه يقصف مراكزها فقط.

رغم توسع قوس أهواء الصحافة الصهيونية الناطقة بالعبرية والموجهة إلى الجمهور "الإسرائيلي"، إلا أنه يمكن تسجيل عدة ملاحظات تنطبق على تغطيتها جميعا:

أول تلك الملاحظات: خضوعها للرقابة العسكرية، وهذا واضح من طبيعة ومضامين التغطيات التي تكاد تكون نوعا من نسخ ولصق أحيانا، ومن الواضح أن الرقيب العسكري يعمل على قالب محدد من غير المسموح تجاوزه.

يتضح مستوى الرقابة على إعلام العدو من عدة نماذج صارخة، أبرزها المحاولة المضطربة للتغطية على هوية الضابط القتيل في خان يونس، فقد تم نشر اسمه بداية ثم حذف، ثم عادت عضوة كنيست لتنشر اسمه في سياق هجومها على حكومتها والتنديد بسياستها ثم حذفت التغريدة مرة أخرى، لكن بعد أن أصبحت متداولة على نطاق واسع، وبعد الكشف عن اسم الضابط القتيل ومعلومات إضافية عنه.

هذا التسريب حرض العديد على كتابة مقالات في الصحافة الإسرائيلية حول مع أو ضد الرقابة، بين من يطالب بتشديدها وصولا إلى معاقبة السياسيين المسربين، وبين من يطالب بتركيزها على القضايا المهمة وصولا إلى الإقرار بالعجز عن رقابة كاملة ومطلقة، خصوصا أن التسريبات تأتي من الجيش من الضباط الغاضبلين والجنود المختالين، خصوصا في التسريبات التي نشرت في مواقع من قبل جنود كما في منتدى ضباط الاحتياط حول الهدف الحقيقي للعملية في خان يونس والتي تم حذفها فورا.

ثاني تلك الملاحظات، محاولة العدو جاهدا فرض رقابة صارمة على الخسائر، وهذا أيضا يتضح في نقل الصحافة لأخبار الصواريخ الفلسطينية، والإجماع تقريبا على رواية واحدة، ولكن لم يستطع العدو الصمود أمام تدفق المعلومات خصوصا من أوساط المستوطنين المرتعبين، الذين وصلت بهم الأمور إلى طلب النجدة، والقول أن الجيش لايستطيع حمايتهم.

ثالث تلك الملاحظات على التغطية الصهيونية، هي التركيز على الرواية الصهيونية التقليدية في مثل هذه الأحوال، فالفلسطينيون "معتدون" و"جيش الدفاع" يحمي "إسرائيل" وتستند الرواية المتداولة بشكل كبير على تصريحات السياسيين وما يصدر عن المتحدث العسكري، وتتسم هذه التغطية بالنسبة لهذه النقطة أيضا بمحاولة ترهيب الفلسطينيين، عبر بث التقارير ذات الطابع التهديدي، والتحذيري، من قبيل تدمير غزة وغير ذلك من الترهات، حيث تستغل الآلة الإعلامية الصهيونية في هذا السياق، هوس الترجمة عند المتابعين الفلسطينيين من غير المهنيين ومن غير ذوي الاختصاص بشؤون العدو وتحليله، فيترجمون كل شيء ويلقون به في وجه الجمهور الفلسطيني، ما يعتبر جزءا من الحرب النفسية التي يشنها العدو بأدوات محلية.

ثمة أمر لافت أيضا في تغطيات العدو، حيث وربما للمرة الأولى يتم نقل صور مهمة من مواقع سقوط بعض الصواريخ الفلسطينية، وإظهار مدى الدمار، ولكن مع التركيز والتأكيد أنه لايوجد خسائر، ويهدف العدو من هذا إلى أمرين، فعبر إظهار الدمار، يريد أن يثبت صورته كضحية وأنه يدافع عن نفسه من جهة، وعبر إنكار وجود مصابين في هذه الصور، يريد العدو أن يظهر مناعته وقدرته على المواجهة، وأن القوة الصاروخية الكبيرة والتي يتعمد العدو تضخيمها أحيانا لاتؤثر به.

كما أن العدو يلجأ إلى إظهار أن المصابين معظمهم من النساء وكبار السن، ويتساءل المرء عن طبيعة هذا المجتمع الذي يختبئ في الملاجئ ويترك خلفه الصغار وكبار السن والنساء، لكن الحقيقة أن العدو يتعمد إبراز هؤلاء المصابين تحديدا من صفوفه، ويغطي على مقتل الجنود والمستوطنين على وجه العموم، أيضا لإبراز نفسه كضحية وأن المقاومة تستهدف "الضعفاء".

اتصالا بموضوع الرقابة، فإن اللافت أيضا ومع أن من المعروف أن الصحافة تخضع للرقيب العسكري في الكيان الصهيوني إلا أن أغلب الصحف "تغش" قراءها، ولا تخبرهم عن المقالات التي خضعت للرقابة إلا نادرا، وإذا أخبرتهم فإنه ممنوع عليها أن تبلغ الاقراء أين جرى القص أو التعديل وتأتي التحذيرات عادة بهذه الصيغة [ملاحظة المحرر: وفقا لالتزام قانوني لدينا، أرسلت هذه المقالة إلى رقيب الجيش الإسرائيلي للمراجعة قبل النشر. ليس مسموحًا لنا أن نخبرك ما إذا كان ( وأين) خضع للرقابة بالفعل].

في سياق متصل، وجد الصراع السياسي الصهيوني مكانا واسعا وفرصة كبيرة للظهور في ظلال العدوان، سواء من داخل السلطة اليمينية الحاكمة التي تتنازع رموزها أهواء التطرف والاتهامات المتبادلة، وكذلك تيار المستوطنين الذي يطالب حكومته التي يسيطر عليها عمليا بالمزيد من قصف غزة وقمعها، أو من طرف المعارضة، سواء تلك التي ترى أن الحل السياسي مع غزة ما زال ممكنا، أو معارضة حزب العمل وعصابة اليسار الصهيوني، التي استغلت الفرصة للتنديد بما سمته "عجز" اليمين" عن قمع غزة، وكعادته يقدم اليسار نفسه كقادر أكثر على القمع والقتل.

رغم هذا، فإن السمة الأساسية للإعلام الصهيوني خلال الـ24 ساعة الأخيرة، كانت التوحد الكامل وراء الجيش الصهيوني، وفي متاريس الحرب جنبا إلى جنب، ما يعكس طبيعة هذه الدولة الفاشية، وطبيعة تشكيلها السياسي وجوهر تبايناتها السياسية بين التيارات والأحزاب المختلفة.